الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***
للرسول صلى الله عليه وسلم في الكتمان حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الحصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول اللّه: "استعينوا على الحرائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمة محسود".. للحكماء والعرب في السرّ وكانت الحكماء تقول: "سرّك من دمك والعرب تقول: "من ارتاد لسره موضعًا فقد أذاعه". بين ابن أبي محجن ومعاوية حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول: إذا متّ فادفنّي إلى أصل كـرمة *** تروّي عظامي بعد موتي عروقهم ولا تدفننّي في الفـلاة فـإنّـنـي *** أخاف وراء الموت أن لاأذوقهـم فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك؟ قال قوله: لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي *** وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي القوم أعلم أني مـن سـراتـهـم *** إذا تطيش يد الرّعديدة الـفـرق أعطي السّنان غداة الرّوع حصّتـه *** وعامل الرّمح أرويه من العلـق قد أركب الهول مسدولًا عساكـره *** وأكتم السر فيه ضربة العـنـق ؟؟شعر للصّلتان العبدي وأنشدني للصّلتان العبدي: وسرّك ما كان عند امرىء *** وسرّ الثلاثة غير الخفي؟ الإمام عليّ رضي اللّه عنه وافشاء السر وكان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يتمثّل بهذين البيتين: ولا تفش سـرّك إلّا إلـيك *** فإن لكلّ نصيح نصـيحـا فإني رأيت غواة الـرجـا *** ل لا يتركون أديما صحيحا شعر في كتمان الهوى وقال الشاعر: ومراقبين تكاتما بهواهـمـا *** جعلا القلوب لما تجنّ قبورا يتلاحظان تلاحظا فكأنّـمـا *** يتناسخان من الجفون سطورا وقال مسكين الدّارمي: أواخي رجلا لست أطلع بعضهـم *** على سر بعض غير أني جماعهم يظلّون شتّى في البلاد وسـرّهـم *** إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم مما قيل في كتمان السر وقال: ولو قدرت على نسيان ما اشتملـت *** مني الضّلوع من الأسرار والخبـر لكنت أوّل مـن ينـسـى سـرائره *** إذ كنت من نشرهم يومًا على خطر أسرّ رجلٌ إلى صديق له حديثًا فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: لا، بل نسيت. قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: "ما قلبي له إلا قبر". وقيل لمزبد: أيّ شيء تحت حضنك؟ فقال: يا أحمق لم خبّأته. وقال الشاعر: إذا ما ضاق صدرك عن حديث *** فأفشته الرجال فمـن تـلـوم إذا عاتبت من أفشى حـديثـي *** وسرّي عنده فأنا الـظّـلـوم وإني حين أسأم حمـل سـرّي *** وقد ضمّنته صـدري سـؤوم قيل لرجل: كيف كتمانك للسر؟ قال: "أجحد المخبر وأحلف للمستخبر". وكان يقال: "من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامهوقال الشاعر: إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة *** فإنك قد أسندتهم شرّ مسند لعمرو بن العاص وقال عمرو بن العاص: "ما استودعت رجلًا سرًّا فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدرًا حين أستودعته وقال: إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّهـم *** فسرّك عند الناس أفشى وأضيع وكان يقال: "من ضاق قلبه اتسع لسانه". بين الوليد بن عتبة وأبيه وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إلي حديثًا ولا أراه يطوي عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به؟ قال: لا يا بني"إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكون مملوكًا بعد أن كنت مالكًا قال: قلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدّثت به معاوية فقال: يا وليد؟ أعتقك أخي من رقّ الخطأ. ؟لبعض ملوك فارس وفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: "صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة لأحد منكم في ظهور شيء منهم عنه". وكان يقال: "ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك". لجميل بن معمر ثم لابن أبي ربيعة وقال جميل بن أبي معمر: أموت و ألقى اللّه يا بثن لم أبح *** بسرّك والمستخبرون كثيرون وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: ولما تلاقينا عرفت الـذي بـهـم *** كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل فقالت وأرخت جانب السّتر إنمـا *** معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلـي فقلت لهم ما بي لهم من تـرقّـب *** ولكنّ سرّي ليس يحمله مثـلـي يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد. لزهير بن أبي سلمى وقال زهير: السّتر دون الفاحشات ولا *** يلقاك دون الخير من ستر وقال آخر: فسرّي كإعلاني وتلك خليقتـي *** وظلمة ليلي مثل ضوء نهم ريا وقال آخر لأخٍ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سرب. والسّرب السائل. وكان يقال: "للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط العذر". وكان يقال: "الرّعاية خير من الاسترعاء". بين عبيد اللّه بن زياد وابن همام السلولي أتى رجل عبيد اللّه بن زياد فأخبره: أن عبد اللّه بن همّام السلّولي سبّه. فأرسل إليه فأتاه فقال: يا بن همام إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. فقال ابن همّام: فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خالـيًا *** فخنت، وإمّا قلت قولًا بلا علم وإنك في الأمر الذي قد أتيتـه *** لفي منزل بين الخيانة والإثـم وقال آخر: اخفض الصّوت إن نطقت بليل *** والتفت بالنهار قبل الـكـلام لبعض الأعراب في كتم السر، ولأبي الشيص وقال بعض الأعراب: ولا أكتم الأسرار لكن أنـمّـهـا *** ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي وإن قليل العقل من بات لـيلـه *** تقلّبه الأسرار جنبًا إلى جـنـب وقال أبو الشيص: لا تأمنن على سـرّي وسـرّكـم *** غيري وغيرك أو طيّ القراطيس أو طائرٍ سأحـلّـيه وأنـعـتـه *** ما زال صاحب تنقير وتأسـيس سودٌ بـراثـنـه مـيلٌ ذوائبــه *** صفرٌ حمالقه في الحسن مغموس قد كان همّ سليمـان لـيذبـحـه *** لولا سعايته يومـًا بـبـلـقـيس وقال أيضًا: أفضى إليك بسرّه قـلـمٌ *** لو كان يعرفه بكى قلمه لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد: في الكتاب يأتيك فيه السر. الحزم تخريقه إن كنت ذا حـذر *** وإنما الحزم سوء الظنّ بالناس إذا أتاك وقـد أدّى أمـانـتـه *** فاجعل صيانته في بطن أرماس وقال آخر: سأكتمه سرّي وأحفظ سرّه *** ولا غرّني أني عليه كريم حليمٌ فينسى أو جهولٌ يشيعه *** ومن الناس إلا جاهل وحليم للرسول عليه الصلاة والسلام حدّثنا إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمرو بن ثعلب عن النبيّ قال: "من أشراط الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم وتفشو التجارقال عمرو: إن كنا لنلتمس في الحواء العظيم الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى استأمن تاجر بني فلان. حدّثنا أحمد بن الخليل عن اسماعيل بن آبان عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشيّ عن محمد بن زاذان عن أمّ سعد عن زيد بن ثابت قال: دخلت على رسول اللّه وهو يملي في بعض حوائجه فقال: "ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملى به". عن وهب قال ادريس عليه السلام أول من خط بالقلم وحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: "كان إدريس النبيّ عليه السلام أوّل من خطّ بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبسهم وكان من قبله يلبسون الجلود". بين عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعريّ حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن أبي موسى أن عمر بن الخطّاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفًا جاءت من الشأم. فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد. قال عمر: أبه جنابة؟ قال: لا، ولكنّه نصراني. قال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرهم ثم قال: ما لك! قاتلّك اللّه! أما سمعت قول اللّه عز وجل: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنّصارى أولياء}! ألا اتخذت رجلًا حنيفيًا! فقال أبو موسى: له دينه ولي كتابته. فقال عمر: "لا أكرمهم إذ أهانهم اللّه ولا أعزّهم إذ أذلّهم اللّه ولا أدنيهم إذ أقصاهم اللّه". لعمر بن الخطاب في عدم اتخاذ بطانة من دون المؤمنين حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيسى بين يونس قال: حدّثنا أبو حيّان التّيمي عن أبي زنباع عن أبي الدّهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطّاب غلام كاتب حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانيًا، فقيل له: لو اتخذته كاتبًا. فقال"لقد اتخذت إذًا بطانةً من دون المؤمنين". أول من وضع كتابة العربية حدّثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة من أهل الأنبار وهو الذي وضع كتابة العربيّة، ومن الأنبار انتشرت في الناس. بين الرسول صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام حدّثني أبو سهل عن الطّنفاسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد بن المنكدر قال: جاء الزّبير بن العوّام إلى النبيّ فقال: كيف أصبحت؟ جعلني اللّه فداك! قال: "ما تركت أعرابيّتك بعد". وصية عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز قال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجّهه إلى مصر: "تفقّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبّره عنك كاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والداخل عليك يعرفك بجليسك". بين عمر بن عبد العزيز وعبد الحميد بن الخطاب ابن أبي الزّناد عن أبيه قال: كنت كاتبًا لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه: "إنه ليخيّل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلًا شاة لكتبت إليّ: أضأن أم ماعز، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أصغير أم كبير. فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة". بين أبي جعفر المنصور وسلم بن قتيبة في صفات الكاتب وكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ بالنخل أم بالدّور؟ فكتب إليه أبو جعفر: "أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إليّ تستأذن في أيّه تبدأ أبالبرنيّ أم بالشّهريز؟"وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول: "للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتّهم م الوشاة عليه، وإفشاء السرّ إليه". للعجم في صفات الكاتب كانت العجم تقول: "من لم يكن عالمًا بإجراء المياه وبحفر فرض الماء والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلّث والمربّع والمختلف الزّوايا ونصب القناطر والجسور والدّوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصنّاع ودقائق الحساب كان ناقصًا في حال كتابته". لميمون بن ميمون قال ميمون بن ميمون: "إذا كانت لك إلى كاتب حاجةٌ فليكن رسولك إليه الطمع وقال: "إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير". من كتاب الهند في الوزير وفي كتاب للهند: "إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع". بين عبيد اللّه بن زياد وكاتب أبيه المدائني قال: خلا زياد يومًا في أمر ينظر فيه وعنده كاتب له يكتب وابنه عبيد اللّه، فنعس زياد فقال لعبيد اللّه: تعهّد هذا لا يكتب شيئًا. ونام، فوجد عبيد اللّه مسّا من البول فكره أن يوقظ أباه وكره أن يخلّي الكاتب فشدّ إبهاميه بخيط وختمه وقام لحاجته. قال أبو عبّاد الكاتب: ما جلس أحد قط بين يدي إلا تخيّل إليّ أني جالس بين يديه. نصيحة أبرويز لكاتبه وقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: "أكتم السرّ واصدق الحديث واجتهد في النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك عليّ أن ألا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل عليك قولًا حتى أستقين ولا أطمع فيك أحدًا فيغتالك. واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطّنهم وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحةً من عدوّك واقصد إلى الجميل ادّراعًا لغدك وتحصّن بالعفاف صونًا لمروءتك وتحسّن عندي بما قدرت عليه من حسن ولا تشرعنّ الألسنة فيك ولا تقبّحنّ الأحدوثة عنك. وصن نفسك صون الدّرّة الصافية وأخلصهم إخلاص الفضّة البيضاء وعاتبهم معاتبة الحذر المشفق وحصّنهم تحصين المدينة المنيعة. لا تدعنّ أن ترفع إليّ الصغير، فإنه يدل على الكبير، ولا تكتمنّ الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير. هذّب أمورك ثم القني بهم وأحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئنّ عليّ فأمتعض ولا تنقبض مني فأتّهم ولا تمرّضنّ ما تلقاني به ولا تخدجنّه. وإذا فكرت فلا تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنهم علاوة على الكفاية ولا تقصرن عن التحقيق فإنهم هجنة بالمقالة ولا تلبسنّ كلامًا بكلام ولا تباعدنّ معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفّه، وانتشار يثبّجه، ومعانٍ تقعد به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على السّوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيمًا وما تقول صغيرًا فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عاليًا كعلوّه وفائقًا كفوقه. واعلم أن جمّاع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء. فهذه الخلال دعائم المقالات إن التمس لهم خماس لم يوجد وإن نقص منهم رابع لم تتم، فإذا أمرت فأحكم وإذا سألت فأوضح وإذا طلبت فأسجح وإذا أخبرت فحقّق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بحزامير القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره. أثبت في دواوينك ما أدخلت وأحص فيهم ما أخرجت وتيقّظ لما تأخذ وتجرّد لما تعطي، لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدّم ولا تخرجنّ وزن قيراط في غير حقّ، ولا تعظّمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن مؤامرتي".
لرجل في زيّ الكتّاب قال رجل لبنيه: "يا بني تزيّوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السّوقة". بين أعرابي والكسائي قال الكسائي: "لقيت أعرابيًا فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا اللّه! ما رأيت رجلًا أقدر، على كلمة إلى جنب كلمة أشبه شيء بهم وأبعد شيء منهم، منك!". لابن الأعرابي وقال ابن الأعرابي: "رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه فقال إنك لحتف الكلمة الشرود". ولرجل من أهل المدينة في بغداديين وقال رجل من أهل المدينة: "جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم ولا أطيش من أقلامهم". من كاتب إلى صديق له وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: "وصل إليّ كتابك فما رأيت كتابًا أسهل فنونًا ولا أملس متونًا ولا أكثر عيونًا ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشّد على كل مفصل حزًّا منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك يقينًا والأمل فيك مبلوغًا". ويقال: "عقول الرجال في أطراف أقلامهم". ويقال: "القلم أحد اللسانين وخفة العيال أحد اليسارين وتعجيل اليأس أحد الظّفرين وإملاك العجين أحد الريّعين وحسن التقدير أحد الكاسبين واللّبن أحد اللحمين وقد يقال: المرق أحد اللحمين. في الكتابة، وفي وصف الكتّاب قيل لبعضهم: إن فلانًا لا يكتب، فقال: تلك الزّمانة الخفية. وقرأت في بعض كتب العجم أن موبذان موبذ وصف الكتّاب فقال: "كتّاب الملوك عيبتهم المصونة عندهم وآذانهم الواعية وألسنتهم الشاهدة، لأنه ليس أحد أعظم سعادة من وزراء الملوك إذا سعدت الملوك، ولا أقرب هلكة من وزراء الملوك إذا هلكت الملوك، فترفع التّهمة عن الوزراء إذا صارت نصائحهم للملوك نصائحهم لأنفسهم، وتعظم الثقة بهم حين صار اجتهادهم لأنفسهم فلا يتّهم روح على جسده ويتهم جسد على روحه لأن زوال ألفتهما زوال نعمتهما، وأن التئام ألفتهما صلاح خاصّتهما". وقال: لئن ذهبت إلى الحجّاج يقتلنـي *** إني لأحمق من تخدي به العير مستحقبًا صحفًا تدمى طوابعهم *** وفي الصحائف حيّات مناكير لبعض الشعراء في القلم وقال بعض الشعراء في القلم: عجبت لذي سنّين في الماء نبته *** له أثر في كل مصرٍ ومعمر وقال بعض المحدّثين في القلم: ضئيل الرّواء كثـير الـغـنـاء *** من البحر في المنصب الأخضر كمثل أخي العشق في شخصـه *** وفي لونه من بني الأصـفـر يمر كـهـيئة مـرّ الـشـجـا *** ع في دعص محنـيةٍ أعـفـر إذا رأسه صحّ لـم ينـبـعـث *** وجاز السبـيل ولـم يبـصـر وإن مـديةٌ صـدعـت رأسـه *** جرى جري لا هم ئب مقصـر يقـضّـي مـآربـه مـقـبـلًا *** ويحسمهـم هـيئة الـمـدبـر تجود بـكـفّ فـتـى كـفّـه *** تسوق الثّراء إلى المـعـسـر لأبي تمام يصف القلم وقال حبيب الطائي يصف القلم: لك القلم الأعلى الـذي بـشـبـاتـه *** يصاب من الأمر الكلى والمفـاصـل لعاب الأفاعي القـاتـلات لـعـابـه *** وأري الجنى اشتارتـه أيدٍ عـواسـل له ريقه طـلٌّ ولـكـنّ وقـعـهـم *** بآثاره في الشرق والـغـرب وابـل فصيح إذا استنطقتـه وهـو راكـبٌ *** وأعجم إن خاطبـتـه وهـو راجـل إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت *** عليه شعاب الفكر وهـي حـوافـل أطاعته أطراف القنـا وتـقـوّضـت *** لنجواه تقويض الخيام الـجـحـافـل تراه جليلًا شـأنـه وهـو مـرهـفٌ *** ضنًى وسمينا خطبه وهـو نـاحـل أيضًا لمحمد عبد الملك في وصف القلم وقال محمد عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم: وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطقٍ *** له ذملانٌ في بطون المـهـارق إذا استعجلته الكفّ أمطر خـالـه *** بلا صوت إرعادٍ ولا ضوء بارق كأنّ اللآلي والزبرجد نـطـفـه *** ونور الخزامى في بطون الحدائق في مدح كاتب وقال بعض المحدّثين يمدح كاتبًا: وإذا تألق في النديّ كلامـه ال *** منظوم خلت لسانه من عضبه وإذا دجت أقلامه ثم انتـجـت *** برقت مصابيح الدّجى في كتبه باللفظ يقرب فهمه في بـعـده *** منا ويبعد نيلـه فـي قـربـه حكم فسائحهم خلال بـنـانـه *** متدفق وقليبهم فـي قـلـبـه كالروض مؤتلف بحمرة نوره *** وبياض زهرته وخضرة عشبه لسعيد بن حميد يصف العود، وللطائي في دواة وقال سعيد بن حميد يصف العود: وناطق بلسان لا ضـمـير لـه *** كأنه فخذ نيطـت إلـى قـدم يبدي ضمير سواه في الكلام كما *** يبدي ضمير سواه منطق القلـم بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة ابنوس وكتب إليه: قد بعثـنـا إلـيك أمّ الـمـنـايا *** والعطايا زنـجـيّة الأحـسـاب في حشاهم من غير حرب حرابٌ *** هي أمضى من مرهفات الحراب في وصف الدواة والقلم وقال ابن أبي كريمة يصف الدواة والقلم: ومسودّة الأرجاء قد خضت ماءهـم *** وروّيت من قعر لهم غير منـبـط خميص الحشا يروى على كل مشرب *** أمينًا على سر الأمير الـمـسـلّـط في تسمية الديوان وقال بعض أهل الأدب: إنما قيل"ديوان"لموضع الكتبة والحسّاب لأنه يقال: للكتّاب بالفارسية"ديوان"أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم، فسمّي موضعهم باسمهم. في معنى الوزير وقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك"وزير"من الوزر وهو الحمل، يراد أن يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال اللّه عز وجل: {ولكنّا حمّلنا أوزارًا من زينة القوم} أي أحمالًا من حليهم، ولهذا قيل للأثم: وزر، شبّه بالحمل على الظهر، قال اللّه تبارك وتعالى: {ووضعنا عنك وزرك الذّي أنقض ظهرك}. شعر لأبي نواس وغيره في كاتب وكان الناس يستحسنون لأبي النواس قوله: يا كاتبًا كتب الغداة يسـبـنّـي *** من ذا يطيق براعة الكـتّـاب لم ترض بالاعجام حين سببتني *** حتى شكلت عليه بالإعـراب وأردت إفهامي فقد أفهمتنـي *** وصدقت فيما قلت غير محابي وقال آخر: يا كاتبًا تـنـثـر أقـلامـه *** من كفّه درجًا على الأسطر وقال عديّ بن الرّقاع: صلى الاله على امرىء ودعته *** وأتم نعمته عـلـيه وزادهـم ومنه أخذ الكتّاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيهم عندك. للطائيّ، ثم لجرير وقال حاتم طيء في معنى قولهم متّ قبلك: إذا ما أتى يوم يفرّق بينـنـا *** بموت فكنت أنت الذي تتأخر وقال جرير في معناه: ردّي فؤادي وكوني لي بمنزلتي *** يا قبل نفسك لاقى نفسي التف لبعض الكتاب إلى ملكٍ ردًا على كتابه كتب بعض الملوك إلى بعض الكتّاب كتابًا دعا له فيه بأمتع اللّه بك، فكتب إليه ذلك الكاتب: أحلت عما عهدت مـن أدبـك *** أم نلت ملكًا فتهت في كتبـك أم هل ترى أن في التواضع لل *** أخوان نقصًا عليك في حسبك أم كان ما كان منك عن غضب *** فأيّ شيء أدناك من غضبـك إنّ جفـاء كـتـاب ذي مـقة *** يكتب في صدره: وأمتع بـك للأصمعي في البرامكة وقال الأصمعيّ في البرامكة: إذا ذكر الشرك في مجلس *** أنارت وجوه بني برمـك وإن تليت عـنـدهـم آية *** لأتوا بالأحاديث عن مروك وقال آخر: إن الفراغ دعـانـي *** إلى ابتناء المساجـد وإن رأيي فـيهــم *** كرأي يحيى بن خالد لابن المقفع في بيت النار مرّ عبد اللّه بن المقفع ببيت النار، فقال: يا بيت عاتكة الذي أتعـزّل *** حذر العدا وبه الفؤاد موكّل لدعبل في أبي عبّاد وقال دعبل في أبي عبّاد: أولى الأمور بضيعة وفساد *** أمر يدبّره أبـو عـبّـاد حنق على جلسائه بدواتـه *** فمرمّل ومضمّخ بـمـداد وكأنه من دير هرقل مفلتٌ *** حردٌ يجرّ سلاسل الأقـياد لعمربن الخطاب في النهي عن الهدايا حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته إليه فوجّه القضاء عليهم، فقالت: ياأمير المؤمنين، افصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور. فقضى عليهم عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة. للمغيرة بن عبد اللّه الثقفي قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد اللّه الثقفي على الكوفة فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجًا من شبهٍ،وبلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه قال: ويحك إن البغلة رمحت السراج فكسرته. بين الربيع بن زياد الحارثي وعمر حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن الجريري عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعامًا غليظًا يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيّب وملبس ليّن ومركب وطيء لأنت. فضرب رأسه بجريدة وقال: واللّه ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب أن فيك خيرًا. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقهم عليّنا. فهل له يستأثر عليهم بِشيء؟ قال الربيع: لا. لأمير المؤمنين عمر في الأمانة حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: واللّه إن الذي أدى إلينا هذا لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين اللّه يؤدّون إليك ماأدّيت إلى اللّه فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت. لعليّ رضي اللّه عنه في القناعة حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: لما أتي عليّ عليه السلام بالمال أقعد بين يديه الوزّان والنّقاد فكوّم كومةً من ذهب وكومة من فضة وقال: يا حمراء ويا بيضاء احمرّي وابيضّي وغرّي غيري. وأنشد: هذا جناي وخياره فـيه *** إذ كل جانٍ يده إلى فيه لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملًا يشترط عليه أربعًا: ألّا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بوّابًا. ومر ببناء يبني بحجارة وجصٍّ فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملًا له على البحرين فقال: "أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقهم"وشاطره ماله. وكان يقول: "لي على كل خائن أمينان الماء والطين ؟كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدّثنا قريش بن أنس عن سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون البراذين وخذ الفضل؟؟. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟بين عمر وأبي هريرة في الأمانة حدّثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر: يا عدوّ اللّه وعدوّ كتابه، أسرقت مال اللّه؟ قال أبو هريرة: لست بعدوّ اللّه ولاعدوّ كتابه ولكني عدوّ من عاداهما ولم أسرق مال اللّه. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل؟ فقلت: لا. قال: قد عمل من هو خير منك يوسف. فقلت: يوسف نبيّ ابن نبيّ وأنا ابن أميمة أخشى ثلاثًا واثنتين. قال: فهلا قلت خمسًا؟ قلت: أخشى أن أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع مالي. ؟قول مالك بن دينار لبلال بن أبي بردة حدّثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير، إني قرأت في بعض الكتب: "من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعزّ ممن أعزّني. أيا راعي السوء دفعت إليك غنمًا سمانًا سحاحًا فأكلت اللحم وشربت اللبن وائتدمت بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظامًا تتقعقع موعظة لعمر بن الخطاب حدّثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال: حدّثني إسماعيل بن عيّاش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالجابية حين قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: "أيهم الناس، اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية اللّه. ألا إنه لن يبعّد من رزق اللّه ولن يقرّب من أجلٍ أن يقول المرء حقًا وأن يذكّر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني اللّه إلا بثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل اللّه. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة". لزياد في الولاية بلغني عن محمد بن صالح عن بكر بن خنيس عن عبد اللّه بن عبيد عن أبيه قال: "كان زياد إذا ولى رجلًا قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك واعلم أنك مصروفٌ رأس سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أمينًا ضعيفًا استبدلنا بك لضعفك وسلّمتك من معرّتنا أمانتك، وإن وجدناك خائنًا قويًا استهنّا بقوّتك وأحسنّا على خيانتك أدبك فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن جمعت عليّنا الجرمين جمعنا عليك المضرّتين، وإن وجدناك أمينًا قويًا زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك". أيضًا لعمر في الأمانة قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيهم الناس ألا تسمعون. فقال سليمان: لا نسمع. قال: ولم يا أبا عبد اللّه؟ قال: لأنك قسمت عليّنا ثوبًا ثوبًا وعليك حلة. قال: لا تعجل يا أباعبد اللّه. ثم نادى: يا عبد اللّه. فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد اللّه بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: نشدتكن باللّه، الثوب الذي اتّزرت به هو ثوبك؟ قال: اللهم نعم. فقال سليمان رضي اللّه عنه: أما الآن فقل نسمع. نصيحة شداد بن عمرو بن أوس لمعاوية بلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليًّا فتنقّصه. فقام شدّاد فقال: "الحمد اللّه الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى أثر من رضا غيره. على ذلك مضى أوّلهم وعليه يمضي آخرهم. أيهم الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيهم ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منهم البرّ والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي لا حجة له. وإن اللّه جل وعز إذا أراد بالناس صلاحًا عمّل عليهم صلحاءهم وقضّى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شرًا عمّل عليهم سفهاءهم وقضّى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤهم. نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق وغشّك من أرضاك بالباطل فقال له معاوية: اجلس. وأمر له بمال، وقال: ألست من السمحاء؟ فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمّدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالًا وأنفقته إفضالًا، فنعم. وإن مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم، أصبته اقترافًا وأنفقته إسرافًا، فإن اللّه عز وجل يقول: {إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لرّبه كفورًا}. لعمرو بن عبيد في سارق مرّ عمرو بن عبيد بجماعة عكوفٍ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا اللّه، سارق السر يقطعه سارق العلانية. لابن شبرمة في الاتصال السلطان ومر طارقٌ صاحب شرطةٌ خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن شبرمة: أراهم وإن كانت تحبّ كأنهـم *** سحابة صيف عن قريب تقشّع اللهم لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من حلوائهم وحط في أهوائهم. ولعبد الرحمن بن قيس ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعفّ عن أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدرّاج الضّبابي: فلا السجن أبكاني ولا القيد شفّني *** ولا أنني من خشية الموت أجزع ؟ولكن أقوامًا أخاف عليهم=إذا متّ أن يعطوا الذي كنت أمنع ثم قال: واللّه ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من لا يرعى لهم حقهم. من كتاب لعليّ بن أبي طالب إلى ابن عباس ووجدت في كتاب لعليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: "إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزىوفي الكتاب: "ضحّ رويدًا فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغترّ بالحسرة ويتمنى المضيّع التوبة والظالم الرجعة".من كتاب عمر بن عبد العزيز لعديّ بن أرطأة وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة: "غرّني منك مجالستك القرّاء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أمّلناك، قاتلكم اللّه! أما تمشون بين القبور". لابن أحمد يذكر عمال الصدقة قال ابن أحمد يذكر عمال الصدقة: إن العياب التي يخفون مـشـرجة *** فيهم البيان ويلوي عندك الخـبـر فابعث اليهم فحاسبهم مـحـاسـبة *** لا تخف عين على عين ولا أثـر هل في الثماني من السبعين مظلمة *** وربّهم بكتاب الله مـصـطـبـر وقال عبد اللّه بن همّام السلّولي: أقلّي عليّ الـلـوم يا أم مـالـك *** وذمّي زمانًا ساد فيه الفـلاقـس وساعٍ مع السلطان ليس بنـاصـح *** و"محترس من مثله وهو حارس" قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قومًا فأطعمهم وجعل يحدّثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال اللّه عزو جل: "سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت"قال بعض الشعراء: ما ظنّكم بأناس خير كسـبـهـم *** مصرّح السحت سمّوه الإصابات لأبي نواس في إسماعيل بن صبيح وقال أبو نواس في إسماعيل بن صبيح: بنيت بما خـنـت الإمـام سـقـاية *** فلا شربوا إلا أمرّ من الـصـبـر فما كنت إلا مثل بـائعة اسـتـهـم *** تعود على المرضى به طلب الأجر وله أيضًا وقال فيه أيضًا لمحمد الأمين: ألست أمين اللّه سيفك نـقـمة *** إذا ماق يومًا في خلافك مائق فكيف بإسماعيل يسلم مثـلـه *** عليك ولم يسلم عليك منافـق أعيذك بالرحمن من شرّ كاتب *** له قلم زان وآخـر سـارق وقال فبه أيضًا: ألا قل لإسماعيل إنـك شـارب *** بكأس بني ما هم ن ضربة لازم أتسمن أولاد الطريد ورهـطـه *** بإهزال آل اللّه من نسل هاشـم وتخبر من لاقيت أنـك صـائم *** وتغدو بفرج مفطر غير صائم فإن يسر إسماعيل في فجراتـه *** فليس أمير المؤمنـين بـنـائم لأنس الدؤلي في حارثة بن بدر ولي حارثة بن بدر"سرّق"فكتب إليه أنس الدؤلي: أحار بن بدر قـد ولـيت ولاية *** فكن جرذًا فيهم تخون وتسـرق وبار تميمًا بالغنى إن للـغـنـى *** لسانًا به المرء الهيوبة ينـطـق فإن جميع الناس إمـا مـكـذّب *** يقول بما يهوى وإما مـصـدّق يقولون أقوالًا ولا يعلمـونـهـم *** وإن قيل هم توا حقّقوا لم يحقّقوا ولا تحقرن يا حار شيئًا أصبتـه *** فحظّك من ملك العراقين سرّق فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد. في الأمانة والخيانة حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان: "إن الرجل ليكون أمينًا فإذا رأى الضّياع خان". نصيحة أبرويز لابنه قرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: "اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منهم، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على شيء كعقوبتك على كسره ولا ترزقنّ على شيء كرزقك على إزجائه، واجعل أعظم رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عفّ واعتصم من أن يهلك". قول ابرويز لصاحب بيت المال وقرأت في"التاج"أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: "إني لا أحتملك على خيانة درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به أمانتك فإنك إن خنت قليلًا خنت كثيرًا. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ، والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحدًا على ذخائر الملك وعمارة المملكة والعدّة على العدوّ إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي عليها، فحقّق ظني في اختياري إيّاك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوّض بخير شرًا ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ولا بأمانة خيانة". وكان يقال: "كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخونة". قول معاذ بن جبل لأبي بكر قدم معاذ من اليمن بعد وفاة رسول اللّه على أبي بكر رضي اللّه عنه فقال له: ارفع حسابك. فقال: أحسابان، حساب من اللّه وحساب منكم؟ لاو اللّه لا ألي لكم عملًا أبدًا. قول أعرابي في الخونة ذكر أعرابي رجلًا خائنًا فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما، وإن فلانًا يحسوها حسوًا. نصيحة سلطان لعامل له قال بعض السلاطين لعامل له: "كل قليلًا تعمل طويلًا والزم العفاف يلزمك العمل، وإياك والرّشا يشتد ظهرك عند الخصام.
|